كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي رواية أخرى {ألا تميلوا}.
قال الواحدي رحمه الله: كلا اللفظين مرويّ؛ وعال الرجل عيالَهُ يَعُولهم إذا مانَهُمْ من المؤونة ومنه أبْدَأ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بمَنْ تَعُول.
وحكى ابن العربي: عال الرجل يعول: كثر عياله، وَعَالَ يِعِيلُ افتقر وصار له عائلة، والحاصل أن عال يكون لازمًا ومتعديًا، فاللازم يكون بمعنى: مال وجار، والمتعدي ومنه عال الميزان.
قال أبو طالب: [الطويل]
بِمِيزانِ قِسْطٍ لا يَغِلُّ شَعِيرَةً ** وَوَزَّان صِدْقٍ وَزْنُهُ غَيْرُ عَائِلِ

وعالت الفريضة إذا زارت سهامها، ومعنى كثر عياله، وبمعنى تفاقم الأمر، والمضارع من هذا كله يَعُولُ، وعال الرجل افتقر، وعالَ في الأرض: ذهب فيها، والمضارع من هذين يَعِيل، والمتعدي يكون بمعنى أثقل، وبمعنى مانَ من المؤونة، وبمعنى غَلَبَ ومنه عيل صبري، ومضارع هذا كله يَعُول، وبمعنى أعجز، تقول: أعجزني الأمرُ، ومضارع هذا يَعيل، والمصدر عَيْل ومَعِيل، فقد تلخص من هذا أن عال اللازم يكون تارة من ذوات الواو، وتارة من ذوات الياء، باختلاف المعنى، وكذلك عال المتعدي أيضًا. ومنه: [الطويل]
وَوَزَّانُ صِدْقٍ وَزْنُهُ غَيْرُ عَائِلِ

وفسَّر الشافعي رحمه الله {تَعُولُواْ} بمعنى يكثر عيالُكُم.
وردَّ هذا القول جماعة كأبي بكر بن داود الرازي والزجاج وصاحب النظم.
قال الرازي: هذا غلط من جهة المعنى واللفظ، أما المعنى فللإباحة السراري صح أنه مظنة كثرة العيال كالتزويج، وأما اللفظ؛ فلأن مادة عال بمعنى كثر عياله من ذوات الياء؛ لأنه من العَيْلَةِ، وأما عال بمعنى جار فمن ذوات الواو، واختلفت المادتان، وأيضًا فقد خالف المفسرين.
وقال صاحبُ النظم: قال أولًا ألاَّ تعدلوا فوجب أن يكون ضده الجور.
وأجيب عن الأول وهو أنَّ التَّسري أيضًا يكثر معه العيال، مع أنه مباح ممنوع؛ لأن الأمة ليست كالزوجة؛ لأنه يعزل عنها بغير إذنها، ويؤجرها ويأخذ أجرتها ينفقها عليه وعلى أولاده وعليها.
قال الزمخشري: وجههُ أن يُجْعَلَ من قولك: عَالَ الرجلُ عياله يعولهم كقولك: مانَهم يُمُونهم أي: أنْفَقَ عليهم؛ لأن من كثر عياله لَزِمَهُ أن يَعُولهم، وفي ذلك ما يصعب عليه المحافظة من كسب الحلال والأخذ من طيب الرزق ثم أثنى على الشافعي ثناءً جميلًا، وقال: ولكن للعلماء طُرق وأساليبُ، فسلك في تفسير هذه الآية مسلك الكنايات، انتهى.
وأما قولُهم: خالف المفسرين فليس بصحيح، بل قاله زيد بن أسلم وابن زيد.
وأما قولهم: اختلفت المادتان فليس بصحيح أيضًا؛ لأنه قد تقدَّم حكايةُ ابن الأعرابي عن العرب: عال الرجل يعول كثر عياله، وحكاها الْكِسَائِيُّ أيضًا قال: يقالُ: عالَ الرَّجل يَعُولُ، وأعال يعيل كثر عياله.
قال أبو حاتم: كان الشَّافِعِيُّ أعْلَمَ بلسانِ العرب مشنَّا، ولعلّه لغة، ويقال: هي لغة حمير ونقلها أيضًا الدَّوْرِيُّ المقرِئُ لغةً عِنْ حِمْيَرَ وأنشد [الوافر]:
وَإنَّ الْموتَ يأخُذُ كُلَّ حَيٍّ ** بِلاَ شَكٍّ وَإنْ أمْشِي وَعَالا

أمشى: كثرت ماشيته، وعَالَ كَثُرَ عياله، ولا حجَّةَ في هذا؛ لاحتمال أن يكون عال من ذَوَاتِ الياء، وهم لا يُنْكِرُونَ أنَّ عال يكون بمعنى كثر عياله، ورُوِيَ عنه أيضًا أنَّهُ فَسَّرَ تعولوا بمعنى تفتقروا، ولا يُريدُ به أنَّ تعولوا وتعيلوا بمعنى، بل قصد الكِنَايَة أيضًا؛ لأن كثرةَ العيالِ سَبَبٌ للفقر.
وقرأ طلحة: {تَعيلوا} بفتح تاء المضارعة من عال يعيل افتقر قال: [الوافر]
فَمَا يَدْرِي الفَقِيرُ مَتى غِنَاهُ ** وَمَا يَدْرِي الْغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ

وقرأ طاوس: تُعيلوا بضمها من أعَالَ: كثر عياله، وهي تُعَضَّدُ تفسير الشَّافعيِّ المتقدِّم من حيث المعنى.
وقال الرَّاغبُ: عَالَهُ، وَغَالَهُ يتقاربان، لكن الغَوْلَ: فيما يُهلك والعَوْل فيما يُثْقِلُ. اهـ. بتصرف يسير.
بحث قيم:
تعدد الزّوجات ضرورة اجتماعية:
قال في الأمثل:
لقد أجازت الآية الحاضرة تعدد الزوجات (ولكن بشرائط ثقيلة وفي حدود معينة) وقد أثارت هذه الإِباحة جماعة، فانطلقوا يوجهون إِليها الاعتراضات والإِشكالات، وتعرض هذا القانون الإِسلامي لهجمة كبيرة من المعارضين الذين تسرعوا في إصدار الحكم عن هذا القانون الإِسلامي متأثرين بالأحاسيس، ودون أن يتناولوه بالدرس والتمحيص، والتأمل والتحقيق. وكان الغربيون أكثر هذه الجماعة معارضة لهذا القانون وهجومًا عليه، متسائلين كيف يجوز للإِسلام أن يسمح للرجال أن يقيموا لأنفسهم حريمًا ويتخذوا زوجات متعددة على نحو ما كان شائعًا في الجاهلية؟
كلاّ، إِنّ الإِسلام لم يسمح لأحد بأن يقيم حريمًا بالمعنى الذي تصورتم، ولا أنّه أباح تعدد الزوجات دون قيد أو شرط، ودون حدّ أو قانون.
ولتوضيح هذه الحقائق نقول: إِن دراسة البيئات المختلفة قبل الإِسلام تكشف لنا أنّ تعدد الزوجات دونما عدد معين كان أمرًا عاديًا وشائعًا، لدرجة أنّ بعض الوثنيين أسلموا وتحت الرجل منهم عشر زوجات أو أقل، من هنا لم تكن مسألة تعدد الزّوجات ممّا أبدعه الإِسلام، نعم إنّ ما فعله الإِسلام هو وضع هذا الأمر في إطار الحاجة والضرورة الحيوية الإِنسانية، وتقييده بطائفة من القيود والشروط الثقيلة.
إنّ قوانين الإِسلام وتشريعاته تدور على محور الحاجات الإِنسانية، وتقوم على أساس مراعاة الضرورات الحيوية في دنيا البشر، لا الدعاية الظاهرة ولا المشاعر الموجهة توجيهًا غير صحيح، ومسألة تعدد الزوجات من هذا القبيل أيضًا، فقد لوحظت هي الأخرى من هذه الزاوية، لأنّه لا أحد يمكنه أن ينكر أنّ الرجال أكثر تعرضًا من النساء لخطر الفناء والموت بسبب كثرة ما يحيط بهم من الحوادث، المختلفة.
فالرجال يشكلون القسم الأكبر من ضحايا الحروب، والمعارك.
كما أنّه لا يمكن إِنكار أنّ أعمار الرجال من الناحية الجنسية أطول من أعمار النساء في هذا المجال، فالنساء يفقدون القدرة الجنسية (والقدرة على الإِنجاب) في سن معين من العمر قريب، في حين يبقى الرجال متحفظين بهذه الطاقة والقدرة مدّة أطول بكثير.
كما أنّ النساء- في فترة العادة الشهرية وشيء من فترة الحمل- يعانين من موانع جنسية بصورة عملية في حين لا يعاني الرجل من أي مانع جنسي من هذا النوع.
هذا كلّه مضافًا إِلى أن هناك نساء يفقدون أزواجهنّ لبعض الأسباب، فلا يتيسر لهن أن يجلبن اهتمام نظر الرجال إِلى أنفسهن كزوجة أُولى، فإِذا لم يسمح بتعدد الزوجات، وجب أن تبقى تلك النسوة بلا أزواج، كما نقرأ ذلك في الصحف المختلفة حيث يشكو هذا النوع من النساء الأرامل من صعوبات الحياة ومشكلات العيش بسبب تحديد مسألة تعدد الأزواج أو إِلغائها بالمرّة، وحيث يعتبرن المنع من التعدد نوعًا من القوانين الظالمة الجائرة والمعادية لهنّ.
بالنظر إِلى هذه الحقائق، وعندما يضطرب التوازن بين عدد النساء والرجال نجد أنفسنا مضطرين لأن نختار أحد طرق ثلاث هي:
1- أنْ يقنع كل رجل بزوجة واحدة فقط في جميع الحالات والموارد، ويبقى العدد الإِضافي من النساء بلا أزواج إِلى اخر أعمارهن، ويكبتن حاجاتهنّ الفطرية ويقمعن غرائزهنّ الباطنية الملتهبة.
2- أن يتزوج الرجل بامرأة واحدة بصورة مشروعة ثمّ يترك حرًّا لإِقامة علاقات جنسية مع من شاء وأراد من النساء اللائي فقدن ازواجهن لسبب وآخر على غرار اتّخاذ الأخدان والعشيقات.
3- أنْ يسمح لمن يقدر أن يتزوج بأكثر من واحدة ولا يقع في أية مشكلة من الناحية الجسمية والمالية والخلقية من جراء هذا الأمر، كما ويمكنه أن يقيم علاقات عادلة بين الزوجات المتعددة وأولادهن، أن يسمح لهم بأن يتزوجوا بأكثر من واحدة (على أن لا يتجاوز عدد الأزواج أربعًا)، وهذه هي ثلاث خيارات وطرق لا رابع لها.
وإِذا أردنا اختيار الطريق الأوّل يلزم أن نعادي الفطرة والغريزة البشرية، ونحارب جميع الحاجات الروحية والجسمية لدى البشر، ونتجاهل مشاعر هذه الطّائفة من هذه النّسوة، هذه الحرب والمعركة التي لن يكون فيها أي انتصار، وحتى لو نجح هذا الطرح وكتب له التوفيق، فإِن ما فيها من الجوانب اللا إِنسانية أظهر من أن تخفى على أحد.
وبعبارة أُخرى أن تعدد الزوجات في الموارد الضرورية يجب أن لا ينظر إليه أو يدرس من منظار الزوجة الأُولى، بل يجب أن يدرس من منظار الزوجة الثانية أيضًا.
إِنّ الذين يعالجون هذه المسألة وينظرون إِلى خصوص مشاكل الزوجة الأُولى في صورة تعدد الزوجات هم أشبه بمن يطالع مسألة ذات زوايا ثلاث من زاوية واحدة، لأن مسألة تعدد الزوجات ذات ثلاث زوايا، فهي يجب أن تطالع من ناحية الرجل، ومن ناحية الزوجة الأُولى، ومن ناحية الزوجة الثانية أيضًا، ويجب أن يكون الحكم بعد ملاحظة كل هذه الزوايا في المسألة، ويتمّ على أساس مراعاة مصلحة المجموع في هذا الصعيد.
وإذا اخترنا الطريق الثاني وجب أن نعترف بالفحشاء والبغاء بصورة قانونية، هذا مضافًا إِلى أن النساء العشيقات اللائي يجعلن أنفسهنّ في متناول هؤلاء الرجال لإِرواء حاجتهم الجنسية يفتقدن كل ضمانة وكل مستقبل، ويعني ذلك يسحق شخصيتهنّ سحقًا كام- في الحقيقة- إِذ يصبحن حينئذ مجرد متاع يقتنى عند الحاجة ويترك عند ارتفاعها دون التزام ومسؤولية، ولا شك أن هذه الأُمور ممّا لا يسمح به أي عاقل مطلقًا.
وعلى هذا الأساس لا يبقى إِلاّ الطريق الثالث، وهو الطريق الذي يلبي الحاجات الفطرية والغريزية للنساء، كما أنه يجنب هذه الطائفة من النساء ويحفظهنّ من عواقب الفحشاء والإِنزلاق إِلى الفساد، وبالتالي ينقذ المجتمع من مستنقع الآثام والذنوب.
على أن من الواجب أن نلتفت إِلى أنّ السماح بتعدد الزوجات مع أنّه ضرورة اجتماعية في بعض الموارد ومع أنّه من أحكام الإِسلام القطعية، إِلاّ أن توفير شرائطه يختلف اختلافًا كبيرًا عن الأزمنة الماضية، لأن الحياة كانت في العصور السابقة ذات نمط بسيط ومواصفات سهلة، ولهذا كانت رعاية المساواة والعدالة بين الزوجات المتعددات أمرًا ممكنًا وميسرًا لأكثر الناس، في حين يجب على الذين يريدون الأخذ بهذا القانون الإِسلامي في هذا العصر أن يراعوا مسألة العدالة من جميع الجوانب، وأن يقدموا على هذا الأمر إذا كانوا قادرين على الوفاء بجميع شروطه.
وبالجملة يجب أن لا يقدم أحد على هذا العمل بدافع الهوى والهوس.
هذا والملفت للنظر هنا هو أن الذين يعارضون مبدأ تعدد الزوجات (كالغربيين) قد واجهوا طوال تاريخهم ظروفًا ألجأتهم إِلى هذا المبدأ بصورة واضحة.
ففي الحرب العالمية الثانية برزت حاجة شديدة في البلاد التي تعرضت لويلات الحرب هذه وبالأخص ألمانيا، إِلى هذا الموضوع مما دفع بطائفة من المفكرين في سياق البحث عن حلّ لهذه المشكلة إِلى إعادة النظر في مسألة المنع عن تعدد الزوجات، إِلى درجة أنّهم طلبوا من الجامع الأزهر بالقاهرة البرنامج الإِسلامي حول تعدد الزوجات للدراسة، ولكنهم اضطروا- وتحت ضغوط شديدة من جانب الكنائس- إِلى التوقف عن المضي في دراسة هذا البرنامج، وكانت النّتيجة هو تفشي الفحشاء والفساد الجنسي الشديدين في جميع البلاد التي تعرضت للحرب وويلاتها.
هذا بغض النظر عن أنّه لا يمكن إِنكار ما يحس به طائفة من الرجال من الميل إِلى اتّخاذ زوجات متعددة، فإِن كان هذا الميل والرغبة ناشئين من الهوى والهوس لم يكن جديرًا بالنظر، أمّا إِذا كانا ناشئين عن عقم الزوجة عن إِنجاب الأولاد من جانب، ورغبة الرجل الشديدة في الحصول على أبناء له- كما هو الحال في كثير من الموارد- من جانب آخر، فهو ميل ورغبة منطقيان وجديران بالاهتمام والرعاية.